السبت، 27 أكتوبر 2012

كتاب "طوق الحمامة " رحلة في الهوى ومعانيه..



كلما حملت هذا الكتاب بين يدي أدركت أنه سبق زمانه بكثير..  أدركت أنه جاء لكل الأزمنة.. فهو كتاب يستحق أكثر من قراءة..لأنه يعلمنا أن الحب الحقيقي هو طوق في عنق حمامة.. هو رمز للدوام والثبات، لا يفارقها إلا بالموت.. إنه حقا من أروع الكتب التي قيلت في الحب..
يعتبر كتاب "طوق الحمامة في الأُلفة والأٌلاف" لصاحبه "ابن حزم الأندلسي" والذي ألفه في قرطبة حيث كان يقيم.. قبل أكثر من ألف عام مضى، من أكثر الكتب إثارة للإعجاب والجدل في نفس الوقت، فهو رسالة مطولة في الحب، وما يدعي للجدل أن صاحبه رجل سياسة وقانون وفقه، كما كان عالم دين وفقيه، وصاحب مذهب.. ويعتبر في نفس الآن من فقهاء الأندلس الشديدي العارضة في الدفاع عن الدين. وهو بحق من ذخائر تراث الأدب العربي..
وقد وُصف هذا الكتاب بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه. مما جعله يُترجم إلى العديد من اللغات العالمية. فهو بمثابة اعترافات، دوَن فيه صاحبه ملاحظاته ومعلوماته حول الحب، ثم فسر الظواهر النفسية التي ترافقه، من خلال مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين، وتناول بالبحث والدَّرس هذه العاطفة  الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسي من خلال الملاحظة والتجربة، وهذا ما يُعتبر سبقا في حد ذاته.. !
لقد قدم لنا "ابن حزم " مفهوم الحب، وبوبه معتبرا إياه محورا للأخلاق الشخصية والاجتماعية في كل عصر، وعليه المعول في إصلاح النفوس، وعالج هذه العاطفة من منظور إنساني تحليلي ..فقسم محتويات كتابه إلى جزئين: جزء يناقش ماهية الحب أو طبيعته وأسبابه وأنواعه، والجزء ثاني يتحدث عن أحوال المحبين وسلوكهم ومخططاتهم.
الجديد الذي جاء هذا الكتاب في عصره طبعا.. أن ابن حزم يعتبر الحب  استحسانا روحيا وامتزاجا واتصالا نفسيا كانا قبل أن تنزل النفس إلى الأرض، أما الاشتهاء فإنه علاقة جسدية أرضية محضة.. فيقول عن الحب "اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع على سبيل قواها في مقر عالمها العلوي، ومجاورتها في هيئة تركيبها".. وهو هنا متأثر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قَالَ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ تَطُوفُ بِاللَّيْلِ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ " فالمحبة التي تكون لسبب من الأسباب تفنى بفناء سببها.. لكن محبة العشق الصحيحة المتمكنة من النفس لا تفنى إلا بالموت.
ابن حزم في كتابه لا يدعو إلى الحب المُجرَم ولا إلى الزنا، فهو يربط بين الحب والشرع، وبين التوازن الذاتي والتوافق الاجتماعي، وتكتسب بذلك التجربة الشخصية بُعدا أخلاقيا، ذلك أن الحب يؤدي إلى تعرف أعمق بالسلوك الاجتماعي الذي يعود بالخير على المجتمع، ويقرب البشر من الرحمة الإلهية، وعندما يرتبط الحب بالوجود والنمو والإدراك والزمن يصير دنيويا..
"طوق الحمامة" بقدر ما هو كتاب حب وسيرة واعترافات شخصية.. هو أيضا كتاب قيم وأخلاق، فالحب بمفهومه الضيق، قد اتسع عند ابن حزم ليشمل مطلق المحبة والألفة، ويتضمن كلاما في الأخوة والصداقة كقيم إنسانية مهمة ..
لقد قدم ابن حزم الأندلسي مفهوما راقيا للحب في زمن كانت أوربا في  عصرها الوسيط تعتبر المرأة باب الشيطان.. و شيطان الغواية.. إلى غيرها من المعتقدات اللاهوتية التي ربطتها بالجحيم.. فالحب الإنساني والعفيف.. الحب الذي يبعث المروءة والنبل والنخوة في النفس الإنسانية.. لم تعرفه أوربا إلا بعد اتصالها بالعرب، ولم يعبر عنه الشعر الأوربي والقصص الأوربية إلا منذ ذلك الحين..
لقد جعل ابن حزم الأندلسي من الحب أسلوب حياة يجمع بين قلوب المحبين..وليس وسيلة للهروب من الحياة كما كان معتقدا من قبل.. فكان بهذا سابقا لزمانه.. في الرقي بعاطفة إنسانية جبلها الله في عباده.. وجعلها مسلكا لخلق المودة والرحمة في قلوب البشر..

هناك تعليقان (2):

  1. سمعت عن هذا الكتاب و للأسف لم أقرأه بعد،
    إذا كانت لديك نسخة إلكترونية فابعثيها لي

    شكرا

    كنت هنا

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا عزيزتي على الإطلالة..
      هذا رابط يمكنك تحميل الكتاب عبره في ثواني
      http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=i001401.pdf

      استمتعي إذن..

      حذف